نفوس معذّبة

مع إشراقة كل شمس وما تحمل معها من نسيم عليل فتأتي بدفئها الحنون على قطرات الندى المثناثرة فيتلألأ الجو في السماء ويزهو قوس قزح الجميل فيعطي صورة للصفاء ليست كنقاء النفوس ،وهدوء لا حدود له يبعث على النشاط ويحفزنا لخوض غمار هذه الرحلة المتكررة ...
نرتدي تلك الملابس الخادعة ونتلون بألوان الحرباء والأقنعة المزيفة نقف أمام المرآة نحملق في ذلك الوجه ، لقد تكرر المشهد ولم نعد قادرين على معرفة
من نكون ؟
كم شخصية تعيش داخل هذا الجسد الضعيف ؟
شاحبي اللون بنظرات غريبة ،إبتسامة صفراء،عيون حزينة ،لا شيء قد تغير ولا نخجل من النظر للمرآة ولا نستطيع مواجهة الحقيقة القاسية ،
نتهيأ للخروج إلى عالم يلفه الضباب ،يحكمة قانون أقسى من قانون الغاب ، أشرس من محيط تعيش فيه الحيتان ، إنه عالم التناقضات ، مخيف وخطير،
في ظلام حالك نعيش كالأشباح وسط ضوء النهار و نفاق على الأفواه ينشر السواد الحالك،فتختلط الكراهية بالحب ،والثقة بالشك ،والصدق بالكذب،
تدق القلوب بقوة ويمر الوقت منا بسرعة وبدون أدنى خشية مما سنحاسب عليه ، فليس لدينا مانخاف عليه سوى ما سنعوذ به في أخر هذا
التجوال اليومي...
وجوه نلتقيها بنظرات الاٍستغراب، نظرات متقاذفة بين هنا وهناك، فنكون مع كل ما نره كما تقتضي المواقف ، مع هذا حسب متطلبات الربح،
وذاك بمعطيات عدم الخسارة..
لا مكان للصدق فكلما كنت تجيد التلون كالحرباء فستكون أوفر حظا وكلما زاد دهاؤك قلّ خطاؤك، نتعلل بحب عمل الخير ولا نفعله ، ندعي أن أحلامنا بسيطة ونحن نريد كسب كل شيء في طريقنا فالسعادة الدنيوية هدفنا والمال
والقصر والسيارة الفارهة غايتنا ..
نفكر بعمق في كل كلمة تقال لنا فالشك مسيطر على الجميع ، نضحك بكل عفوية مرسومة على شفاهنا وبداخلنا سخرية نبطنها وحقد دفين نكنّه للجميع ، نصوب بدقة ونركز تحت الحزام بكل قوة ، ومن الخلف لتكون الضربة أكثر فتكا ، وعندما نكون الضحية ، فلسنا الافضل على الإطلاق لا نصرخ ولا نشتكي أمام الاخرين فالشماتة شعار الجميع ....
ليس لدينا مبدأ ننطلق منه فقد تهنا في دوامة النفاق والمجاملة ..
ففي لحظة نتخلى عن الكل ، في أيام كنا ندعي لهم كل حب ووفاء
سيطرت علينا المصالح الشخصية والمكاسب الذاتية منزوين على أنفسنا طغت السطحية على علاقاتنا بالأخرين فنجعل لها بدايةونضع لها نهاية ،فنحن فيها كالقطار في كل محطة يصعد اناس وينزل غيرهم،هكذا في حياتنا ،
رغم أننا لسنا كسكته التي لها مسار مستقيم ..
حرّمنا على أنفسنا أن نعيش كما نحن ،انشغلنا بالدنيا فكنا مئات
الشخصيات داخل جسد واحد..
لم نتمتع بمعنى الصداقة ونشعر بلدة الوفاء ، فلا أخلاّء لنا..
نعيش مع صراع داخلي مقيت لاراحة في النهار ولا سبات في الليل ، نتذوق مرارة اليأس ونتجرع كأس الخذلان ....
نرفض المسالمة والرضوخ للحق، نرى الصواب فلا نتخذه سبيلا ...
يا لتلك الحياة التي نعيشها ،حلمنا الوحيد فيها مجهول ، متى نعيش سعداء ونحن مشتتين بين نهار نجري فيه كجري الوحوش في البرية وليل مشاهده الصراع إذا كان للضمير بقية ...
تبا لها من نفوس عبثت بها المادية العمياء فانغمست في ألامها صامتتا مكتئبة
نبتغي الحصول على السعادة فتقول لنا إذهبوا فلست لأمثالكم ...
فنساومها كما نساوم البشر فنحن نبيع ونشتري كل شيء ..
مادام الكل معروض للبيع ...

وتقول لنا كم تستطيعوا أن تدفعوا ؟؟؟
يبدو أنها أغلى من تلك الذمم ..
ياحسرة على حياة بيعت الذمم في سوقها المتفعفن الساذج !!!
وتستخف بنا ضاحكة فتقول الطمع والسعادة متناقضان
فلا يجتمع الضدّان .....
ونتأملها بغضب شديد ونسأل أنفسنا كيف أمكننا شراء كل مانريد
ولم نستطع عليها !!!
يالهذه المحصلة المرّة فنحن نعيش لننعم بها واخيرا لا نتمكن من أن ننعم
بجزء يسير منها ....
نعم هي ليست لأمثالنا هي لمن قناعته في قلبه وباع الدنيا واشترى غيرها ...
فوا اسفاه على نفوس معذبة عاشت في جحيم هذه الحياة..
يالسخرية الضعف الموجود فينا ولا نعي حقيقة أننا كخيط العنكبوت
ونحن لا ندري .
نعيش رقيقا للطمع وغفلنا عن أسرار الحياة الهانئة السعيدة
فمتى نقدّر ثمن السعادة ونعيش بهدوء ونكون كما نحن ...
متى نزيل الأقنعة ونكون شخصية واحدة داخل هذا الجسد
فنزيل الطمع من حياتنا ونزرع القناعة في قلوبنا .

هي القناعة لا ترضى بها بدلا ........ فـيها النعيم وفيها راحة البــــــدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمـــعها ........ هل راح منها بغير القطن والكفن




بقلمي المتجول الصامت