فائدة 04 إن الله جميل يحب الجمال
3 مشترك
منتدى الطلبة الليبيين في أستراليا :: منتديات عامة :: المنتدى الأدبي :: منتدى الخواطر و القصص القصيرة
صفحة 1 من اصل 1
فائدة 04 إن الله جميل يحب الجمال
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله جميل يحب الجمال" يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث . ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء كما في الحديث الآخر: "إن الله نظيف يحب النظافة" . وفي الصحيح : "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" . وفي السنن : "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" .وفيها عن أبي الأحوص الجشمي، قال : "رآني صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار، فقال: هل لك من مال؟ قلت نعم، قال: من أي المال؟ قلت: من كل ما آتى الله من الإبل والشاء ، قال : فلتر نعمته وكرامته عليك".
فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها. ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم ، وتقوى تجمل بواطنهم فقال: ((يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سو آتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ))( الأعراف : الآية 26 .) ، وقال في أهل الجنة : ((ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا))( الإنسان : الآية 11- 12.) ، فجعل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير، وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة ، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة، فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله. ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحب كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة . وأنشد منشدهم:
وإذا رأيت الكائنات بعينهم ** فجميع ما يحوي الوجود مليح
واحتجوا بقوله تعالى: ((الذي أحسن كل شيء خلقه))( السجدة: الآية رقم : (7).) ، وقوله: ((صنع الله الذي أتقن كل شيء))( النمل : الآية رقم : (88).) ، وقوله : ((ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت))( الملك : الآية رقم : (3).). والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحا. وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله، فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها . وإن كان اتحاديا قال هي مظهر من مظاهر الحق ويسميها المظاهر الجمالية.
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا: قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة ، فقال عن المنافقين : ((وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم))( المنافقون: الآية رقم : (4).) ، وقال : ((وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا))( مريم : الآية رقم : (74).) ، أي أموالا ومناظر ، قال الحسن : هو الصور، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ، قالوا : ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك وإنما نفى نظر المحبة . قالوا : وقد حرم علينا لباس الحرير والذهب وآنية الذهب والفضة، وذلك من أعظم جمال الدنيا، وقال : ((ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه))( طه : الآية رقم : (131).) ، وفي الحديث : "البذاذة من الإيمان" ، وقد ذم الله المسرفين . والسرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في اللباس.
وفصل النزاع أن يقال: الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد، ومنه ما يذم، ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود . وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه. فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه، والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه. فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك. وأما ما لا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين : فأوله معرفة ، وآخره سلوك. فيعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ، ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق . فيحب من عبده أن يحمل لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار، فيعرفه بصفات الجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة ، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه، فجمع الحديث قاعدتين: المعرفة والسلوك.
ابن قيم الجوزيه
فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها. ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم ، وتقوى تجمل بواطنهم فقال: ((يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سو آتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ))( الأعراف : الآية 26 .) ، وقال في أهل الجنة : ((ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا))( الإنسان : الآية 11- 12.) ، فجعل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير، وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة ، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة، فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله. ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحب كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة . وأنشد منشدهم:
وإذا رأيت الكائنات بعينهم ** فجميع ما يحوي الوجود مليح
واحتجوا بقوله تعالى: ((الذي أحسن كل شيء خلقه))( السجدة: الآية رقم : (7).) ، وقوله: ((صنع الله الذي أتقن كل شيء))( النمل : الآية رقم : (88).) ، وقوله : ((ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت))( الملك : الآية رقم : (3).). والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحا. وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله، فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها . وإن كان اتحاديا قال هي مظهر من مظاهر الحق ويسميها المظاهر الجمالية.
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا: قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة ، فقال عن المنافقين : ((وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم))( المنافقون: الآية رقم : (4).) ، وقال : ((وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا))( مريم : الآية رقم : (74).) ، أي أموالا ومناظر ، قال الحسن : هو الصور، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ، قالوا : ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك وإنما نفى نظر المحبة . قالوا : وقد حرم علينا لباس الحرير والذهب وآنية الذهب والفضة، وذلك من أعظم جمال الدنيا، وقال : ((ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه))( طه : الآية رقم : (131).) ، وفي الحديث : "البذاذة من الإيمان" ، وقد ذم الله المسرفين . والسرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في اللباس.
وفصل النزاع أن يقال: الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد، ومنه ما يذم، ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود . وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه. فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه، والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه. فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك. وأما ما لا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين : فأوله معرفة ، وآخره سلوك. فيعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ، ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق . فيحب من عبده أن يحمل لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار، فيعرفه بصفات الجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة ، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه، فجمع الحديث قاعدتين: المعرفة والسلوك.
ابن قيم الجوزيه
الدنوني- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 43
مكان الإقامة : Australia-Brisbane
مكان الدراسة : Griffith University Nathan Campus
مجال الدراسة : PHD in Accounting and Finance
تاريخ التسجيل : 07/01/2009
رد: فائدة 04 إن الله جميل يحب الجمال
بوركت أخي و جزاك الله عنا كل خير ........... واصل عطاءك و لا تحرمنا
مواضيع مماثلة
» استطاع الثوار السيطرة التامة على مدينة البريقة والان فى طريقهم الى رأس لانوف الله اكبر الله اكبر الله اكبر
» ماذا اقول في ذكرى مولد بالرسول؟ و ماذا أقول ياحبيبي يارسول الله؟صلي الله عليه وسلم
» تم الانتهاء من موقع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
» فائدة 02 اللذة تابعة للمحبة
» لماذا بكي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
» ماذا اقول في ذكرى مولد بالرسول؟ و ماذا أقول ياحبيبي يارسول الله؟صلي الله عليه وسلم
» تم الانتهاء من موقع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
» فائدة 02 اللذة تابعة للمحبة
» لماذا بكي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
منتدى الطلبة الليبيين في أستراليا :: منتديات عامة :: المنتدى الأدبي :: منتدى الخواطر و القصص القصيرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت يوليو 07, 2012 9:44 am من طرف Basher12
» إفتتاح المنتدى الجديد
الجمعة يوليو 06, 2012 6:44 am من طرف مدير المنتدى
» دراسة ماستر الصيدلة فى نيوكاسل
الثلاثاء يونيو 26, 2012 1:22 am من طرف أم عبدالله
» ماذا عن التقنية الطبية ؟؟؟؟
الجمعة يونيو 22, 2012 1:22 am من طرف bent libya
» اريد مساعدة
الخميس يونيو 14, 2012 12:45 pm من طرف بلقاسم السني
» رفرفي يااعلام الامريكان ..لما لا . فلقد حق لكي ذلك .
الخميس يونيو 07, 2012 11:02 pm من طرف نورس الجبل
» التاشيرة الاسترالية
الأربعاء أبريل 04, 2012 7:39 pm من طرف Faisal
» حول مدينة بيرث
الجمعة فبراير 17, 2012 12:42 am من طرف المسمارى
» أيها الأخوه لا يفوتكم هذا العرض
الأربعاء فبراير 15, 2012 8:52 pm من طرف saudi2000